سورة هود - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


هذه الآية فيها إنابة نوح وتسليمه لأمر الله تعالى واستغفاره بالسؤال الذي وقع النهي عليه والاستعاذة والاستغفار منه هو سؤال العزم الذي معه محاجة وطلبة ملحة فيما قد حجب وجه الحكمة فيه؛ وأما السؤال في الأمور على جهة التعلم والاسترشاد فغير داخل في هذا.
وظاهر قوله: {فلا تسألنِ ما ليس لك به علم} [هود: 46] يعم النحويين من السؤال، فلذلك نبهت على أن المراد أحدهما دون الآخر، والخاسرون هم المغبونون حظوظهم من الخير، وقوله تعالى: {قيل يا نوح اهبط بسلام} كان هذا عند نزوله من السفينة مع أصحابه للانتشار في الأرض، والسلام هنا السلامة والأمن ونحوه، والبركات الخير والنمو في كل الجهات، وهذه العدة تعم جميع المؤمنين إلى يوم القيامة، قاله محمد بن كعب القرظي؛ وقوله {ممن معك} أي من ذرية من معك ومن نسلهم، ف {مَنْ}- على هذا- هي لابتداء الغاية، أي من هؤلاء تكون هذه الأمم، و{من} موصولة، وصلتها {معك} وما يتقدر معها نحو قولك: ممن استقر معك ونحوه ثم قطع قوله: {وأمم} على وجه الابتداء إذ كان أمرهم مقطوعاً من الأمر الأول، وهؤلاء هم الكفار إلى يوم القيامة.
وقوله تعالى: {تلك من أنباء الغيب} الآية إشارة إلى القصة، أي هذه من الغيوب التي تقادم عهدها ولم يبق علمها إلا عند الله تعالى، ولم يكن علمها أو علم أشباهها عندك ولا عند قومك، ونحن نوحيها إليك لتكون لك هداية وأسوة فيما لقيه غيرك من الأنبياء، وتكون لقومك مثالاً وتحذيراً، لئلا يصيبهم إذا كذبوك مثل ما أصاب هؤلاء وغيرهم من الأمور المعذبة.
قال القاضي أبو محمد: وعلى هذا المعنى ظهرت فصاحة قوله: {فاصبر إن العاقبة للمتقين}، أي فاجتهد في التبليغ وجد في الرسالة واصبر على الشدائد واعلم أن العاقبة لك كما كانت لنوح في هذه القصة. وفي مصحف ابن مسعود: {من قبل هذا القرآن}.


{وإلى عاد} عطف على قوله {إلى قومه} [هود: 25] في قصة نوح، و{عاد} قبيلة وكانت عرباً- فيما ذكر- و{هود} عليه السلام منهم، وجعله {أخاهم} بحسب النسب والقرابة؛ فإن فرضناه ليس منهم فالأخوة بحسب المنشأ واللسان والجيرة. وأما قول من قال هي أخوة بحسب النسب الآدمي فضعيف.
وقرأ جمهور الناس: {يا قومِ} بكسر الميم، وقرأ ابن محيصن: {يا قومُ} برفع الميم، وهي لغة حكاها سيبويه، وقرأ جمهور الناس: {غيرهُ} بالرفع على النعت أو البدل من موضع قوله: {من إله}. وقرأ الكسائي وحده بكسر الراء، حملاً على لفظ: {إله} وذلك أيضاً على النعت أو البدل ويجوز {غيرَه} نصباً على الاستثناء.
و {مفترون} معناه كاذبون أفحش كذب في جعلكم الألوهية لغير الله تعالى، والضمير في قوله: {عليه} عائد على الدعاء إلى الله تعالى، والمعنى: ما أجرى وجزائي إلا من عند الله، ثم وصفه بقوله {الذي فطرني} فجعلها صفة رادة عليهم في عبادتهم الأصنام واعتقادهم أنها تفعل، فجعل الوصف بذلك في درج كلامه، منبهاً على أفعال الله تعالى، وأنه هو الذي يستحق العبادة، وفطر معناه اخترع وأنشأ، وقوله: {أفلا تعقلون} توقيف على مجال القول بأن غير الفاطر إلاه، ويحتمل أن يريد: {أفلا تعقلون} إذ لم أطلب عرضاً من أعراض الدنيا إني إنما أريد النفع لكم والدار الآخرة؛ والأول أظهر، والاستغفار طلب المغفرة، وقد يكون ذلك باللسان، وقد يكون بإنابة القلب وطلب الاسترشاد والحرص على وجود المحجة الواضحة، وهذه أحوال يمكن أن تقع من الكفار، فكأنه قال لهم: اطلبوا غفران الله بالإنابة، وطلب الدليل في نبوتي، ثم توبوا بالإيمان من كفركم، فيجيء الترتيب على هذا مستقيماً وإلا احتيج في ترتيب التوبة بعد الاستغفار إلى تحيل كثير فإما أن يكون: {توبوا} أمراً بالدوام، والاستغفار طلب المغفرة بالإيمان، وإلى هذا ذهب الطبري، وقال أبو المعالي في الإرشاد: التوبة في اصطلاح المتكلمين هي الندم، بعد أن قال: إنها في اللغة الرجوع، ثم ركب على هذا أن قال إن الكافر إذا آمن ليس إيمانه توبة وإنما توبته ندمه بعد.
قال القاضي أبو محمد: والذي أقول: إن التوبة عقد في ترك متوب منه يتقدمها علم بفساد المتوب منه وصلاح ما يرجع إليه، ويقترن بها ندم على فارط المتوب منه لا ينفك منه وهو من شروطها؛ فأقول إن إيمان الكافر هو توبته من كفره، لأنه هو نفس رجوعه، وتاب في كلام العرب معناه رجع إلى الطاعة والمثلى من الأمور، وتصرف اللفظة في القرآن ب إلى يقتضي أنها الرجوع لا الندم، وإنما لا حق لازم للتوبة كما قلنا، وحقيقة التوبة ترك مثل ما تيب منه عن عزمة معتقدة على ما فسرناه، والله المستعان.
و {مدراراً} هو بناء تكثير وكان حقه أن تلحقه هاء، ولكن حذفت على نية النسب وعلى أن {السماء} المطر نفسه، وهو من در يدر؛ ومِفعال قد يكون من اسم الفاعل الذي هو من ثلاثي، ومن اسم الفاعل الذي هو من رباعي: وقول من قال: إنه ألزم للرباعي غير لازم.
ويروى أن عاداً كان الله تعالى قد حبس عنها المطر ثلاث سنين، وكانوا أهل حرث وبساتين وثمار، وكانت بلادهم شرق جزيرة العرب، فلهذا وعدهم بالمطر، ومن ذلك فرحهم حين رأوا العارض، وقولهم: {هذا عارض ممطرنا} [الأحقاف: 24] وحضهم على استنزال المطر بالإيمان والإنابة، وتلك عادة الله في عباده، ومنه قول نوح عليه السلام {استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً}، ومنه فعل عمر رضي الله حين جعل جميع قوله في الاستسقاء ودعائه استغفاراً فسقي، فسئل عن ذلك، فقال: لقد استنزلت المطر بمجاديح السماء.
وقوله: {ويزدكم قوة إلى قوتكم}، ظاهره العموم في جميع ما يحسن الله تعالى فيه إلى العباد، وقالت فرقة: كان الله تعالى قد حبس نسلهم، فمعنى قوله: {ويزدكم قوة إلى قوتكم} أي الولد، ويحتمل أن خص القوة بالذكر إذ كانوا أقوى العوالم فوعدوا بالزيادة فيما بهروا فيه، ثم نهاهم عن التولي عن الحق والإعراض عن أمر الله. و{مجرمين} حال من الضمير في {تتولوا}.


المعنى: {ما جئتنا} بآية تضطرنا إلى الإيمان بك ونفوا أن تكون معجزاته آية بحسب ظنهم وعماهم عن الحق، كما جعلت قريش القرآن سحراً وشعراً ونحو هذا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر» الحديث، وهذا يقضي بأن هوداً وغيره من الرسل لهم معجزات وإن لم يعين لنا بعضها.
وقوله: {عن قولك} أي لا يكون قولك سبب تركنا إذ هو مجرد عن آية، وقولهم: {إن نقول} الآية، معناه ما نقول إلا أن بعض الآلهة لما سببتها وضللت عبدتها أصابك بجنون، يقال: عر يعر واعترى يعتري إذا ألم بالشيء، فحينئذ جاهرهم هود عليه السلام بالتبري من أوثانهم وحضهم على كيده هم وأصنامهم، ويذكر أن هذه كانت له معجزة وذلك أنه حرض جماعتهم عليه مع انفراده وقوتهم وكفرهم فلم يقدروا على نيله بسوء.
و {تنظرون} معناه تؤخروني أي عاجلوني بما قدرتم عليه، وقوله تعالى: {إني توكلت على الله} الآية، المعنى: أن توكلي على الله الذي هو ربي وربكم مع ضعفي وانفرادي وقوتكم وكثرتكم يمنعني منكم ويحجز بيني وبينكم؛ ثم وصف قدرة الله تعالى وعظم ملكه بقوله: {ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها} وعبر عن ذلك ب الناصية، إذ هي في العرف حيث يقبض القادر المالك ممن يقدر عليه، كما يقاد الأسير والفرس ونحوه حتى صار الأخذ بالناصية عرفاً في القدرة على الحيوان، وكانت العرب تجز ناصية الأسير الممنون عليه لتكون تلك علامة أنه قدر عليه وقبض على ناصيته. والدابة: جميع الحيوان، وخص بالذكر إذ هو صنف المخاطبين والمتكلم.
وقوله: {إن ربي على صراط مستقيم} يريد أن أفعال الله عز وجل هي في غاية الإحكام، وقوله الصدق، ووعده الحق؛ فجاءت الاستقامة في كل ما ينضاف إليه عز وجل. فعبر عن ذلك بقوله: {إن ربي على صراط مستقيم} على تقدير مضاف.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10